يمكنك الآن شراء المنتج بسهولة بنقرة واحدة، بدون الحاجة لإنشاء حساب أو تسجيل دخول. املأ النموذج و سنتواصل معك في أقرب وقت.
يُعتبر
تاريخ «مِصر القديمة» الجزءَ الأهم من تاريخ الإنسانية؛ فبالعودة لبدايتها، نجد أن
العالم كان في أقصى ظلامه وتشتُّته عندما أشرقت أنوار تلك الحضارة بوادي النيل،
فكان شعبها أول من استأنس الحيوان وامتَهن الزراعة، وأقام نظامًا اجتماعيًّا
برئاسة الكهنة وأهل الدين، يؤسِّس لإمبراطورية عظيمة لاحقة على يد الملك «مينا»
مُوحد القُطرين. وعندما ازدهرَت العلومُ والفنونُ كان لا بد من طريقةٍ لتوثيقها؛
فاخترع المصريُّ القديم الكتابة، وجعل حتى معابده ومقابره ومسلاته ككتب كبيرة من
الحجر سجل على صفحاتها بالحفر كل معارفه وتاريخه لتبق سرمدية تحكى سَبَقَه وتميزه
في كافة علوم المعرفة لجميع الأجيال التالية. ونتاجَ إيمانه بالبعث وخشيته العذاب
قام ببناء الأهرامات ليحفظ الموتى في تلك القبور الهائلة دون أن تصلها يد، واستخدم
علوم الكيمياء والطبيعة في تنفيذ ذلك، وأبهر العالم بمعماره. وبالرغم من وقوع هذه
الحضارة الغنية تحت طائلة الغزو طوال عقود؛ فإن نورها لم يَخْبُ، حتى أجلى «عمرو
بن العاص» الرومَ عن أرضها، وأُسدِل الستارُ على «مِصر القديمة» كما عرفها التاريخ.
لذا
فمصر دولة ذات حضارة عريقة، تشهد أثارها الباقية على عظمتها السابقة، فكانت ذات
مؤسسات في الحكم والاجتماع تعد أقدم ما عرفه التاريخ. وتمثل حضارة مصر المخزون الاستراتيجي
لتاريخ البشرية، فهي أقدم حضارة عرفها تاريخ الإنسانية، واشتهرت مصر في عصر
الفراعنة العظام بالثراء والاستقرار بين دول العالم القديم. وعرفت بعظمة وشهرة
حكامها، وهؤلاء نعرفهم بأسمائهم وسماتهم وبعض كنوزهم منتشرة في كافة متاحف الأرض
حاليا فمن يجهل رمسيس الثاني أو توت عنخ أمون. ورغم عمليات السطو والتخريب قديما
وحديثا فقد بقي الكثير من أثارهم ولدينا من النقوش والبرديات ما يصف حياتهم
اليومية، ورغم أن ما نهب كان أعظم، إلا أن ما بقي من أثار هذه المدنية القديمة –
أقدم المدنيات عمرا- يعتبر كافيا للدارسين والمشاهدين.
وفى
عمر الزمن تعد مصر أطول إمبراطورية مستقلة في تاريخ البشرية جمعاء (منذ توحيد الملك
"مينا" للقطرين البحري والقبلي عام 3200 ق.م. والي بداية الاحتلال الإغريقي
332 ق.م)، مع استثناءات عابرة لم تغير مجرى التاريخ المصري. وكذا أشد المفارقات غرابة
أن مصر هي أيضا أطول مستعمرة في التاريخ (منذ 332 ق.م إلى 1952م، مع انطلاق ثورة
يوليو 1952م). ولعل الفترة الثانية (فترة الاستعمار) هي التي تم فيها أكبر نهب لأثار
دولة في التاريخ.
إن نهب وتهريب وأيضا إتلاف الأثار المصرية لم
يهدأ منذ ثلاثة آلاف سنة، سواء أكان على يد أهل مصر أنفسهم أم على يد الأجانب،
وللأسف كل له حجته ومهما كانت واهية في نظرنا، وللأسف كانت خسارة علم الأثار
فادحة، وأفدح منها ما فقد من تاريخ مصر المحروسة. وحاليا نلاحظ أن ما صمد من أثار
مصر مبعثرا على قارات العالم، والأَنْكى أن أجملها ما هو موجود خارجها، بعيدا عن ارض
المحروسة. وتقدر الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية القيمة المادية للأثار
المصرية المهربة في الخارج بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي.
ومن
حسن الطالع أن بعض هذا التراث أنقذته الدولة المصرية والأثريين الملتزمين خلال
القرن العشرين، ومن العسير علينا، على أي حال أن نلوم من نهبوا وخربوا الأثار
المصرية، فقد كانت الأخلاقيات السائدة والحالة الثقافية والاجتماعية آنذاك تسمح
لهم بذلك العبث. فالأهالي تحت ضغط الفقر والحاجة أو بدافع الطمع والجشع وأيضا تحت
مظلة الجهل وظلام القطعية مع الماضي التليد، أما الأجانب فتحت إلحاح التطلع إلى
الثراء أو الحصول على الطرائف الأجنبية الشيقة والغريبة.
وإن
كان سوء ما عمل هؤلاء لم يخل من بعض الحسنات، فهم الذين لفتوا أنظار العالم إلى أهمية
التراث المصري العظيم. فلولا عبث وحب استطلاع جنود الحملة الفرنسية ما كان أحدهم
قد عثر على حجر رشيد، وما كان مواطنهم عالم المصريات "شامبليون" فكك
طلاسم الهيروغليفية، وليعلم العالم بعدها بقصة أرقي حضارة في الكون.
وفى
وقتنا الحاضر لا يخلو أي متحف أوربي أو أمريكي مركزي من الأثار المصرية، من
مومياوات ونقوش وتماثيل ولوحات وأوراق البردي والحلى وغيرها. فمن عجائب القدر أن تكون
غالبية الأثار التي تعتز بها متاحف أوروبا وأمريكا قد جلبها مغامرون تملكهم الفضول،
فلم يتورعوا أحيانا عن استخدام وسائل مخربة كالبارود والحفارات للتنقيب، دون أدنى
إحساس بالمسئولية، ومن مآسي التاريخ أن معظم معلوماتنا عن مصر القديمة حصلنا عليها
بمثل هذه الوسائل.
ويعتبر
التمثال النصفي لملكة مصر الفرعونية "نفرتيتي" زوجة الملك "أخناتون"،
هو أجمل قطعة أثرية في التاريخ الإنساني قاطبة، ولكن تلك القطعة وأخواتها مثل
القبة السماوية لمعبد دندرة وتمثال رمسيس الثاني وبردية تورين وحجر رشيد والمسلات
المصرية يعشن مأساة الغربة، حين انتزعن من موطنهم بأرض مصر المحروسة، ونُهبن وهُربن
للخارج منذ قديم الزمان. هي مأساة لهن جميعا ولنا نحن أهل مصر ولقرابة مليون قطعة
أثرية أخرى وربما أزيد، وللأسف حتى يومنا هذا مازالت تلك المأساة تكرر في حق أثار
مصر ومجدها الزاهر.
ونستعرض في كتابنا هذا (مأساة نفرتيتي وأخواتها)
موضوع نهب وتهريب الأثار المصرية إلى خارج البلاد، منذ الأزل وحتى يومنا هذا، من كافة
جوانبه والملابسات التي تحيط بهذا الموضوع بأسلوب علمي وتسلسل تاريخي، وهدفنا هو إلقاء
الضوء على تلك المأساة التي يعيشها ذلك الشعب الذي أنتج أرقي حضارات الكون وتعرض لأسوأ
مساوئ النهب لتراثه الحضاري، أملين أن يتوقف هذا السيل المنهمر لتهريب الأثار، بل
عودة ما غادر منها وبدون وجه حق إلى أرضة حيث نبت.